Dp بين حركة الجيش الثورية والثورة الشعبية الإصلاحية
الرئيسية > سياسة > متابعات وملفات > بين حركة الجيش الثورية والثورة الشعبية الإصلاحية

بين حركة الجيش الثورية والثورة الشعبية الإصلاحية

في يناير 2011 حين هتف الشعب "الجيش والشعب إيد واحدة" بدا وكأن ستين عامًا قد تم اختصارها حيث هتاف الشعب في 23 يوليو "عاشت حركة الجيش"

محمد أبو الغيط
عندما سارت الدبابات في شوارع القاهرة في يناير 2011 بينما جموع الشعب تحيطها وتهتف بحماس “الجيش والشعب إيد واحدة” بدا وكأن ستين عامًا من الزمن قد تم اختصارها لنستعيد مشهد هتاف الشعب حول دبابات جيش 23 يوليو “عاش القائد العام.. عاشت حركة الجيش”، لكن هل حقًا يكفي هذا المشهد لمقاربة حقيقية؟

بين شعب 23 يوليو و شعب 25 يناير
شعب 23 يوليو هو الشعب المفعول به، الشعب الذي تحرك الجيش بالنيابة عنه ثم احتكر السلطة واحتكر الحديث باسم هذا الشعب نفسه، فالسلطة تقرر أن الحرية للشعب ولا حرية لأعداء الشعب، ثم يكون للسلطة وحدها حق تحديد من هو الشعب ومن هم أعداء الشعب.

هو الشعب الموجّه دائمًا بفضل وسائل غسيل العقول الهائلة التي لم تتوفر لنظام في مصر كما توفرت لنظام يوليو، كل الصحف والإذاعة والتليفزيون والمغنيين والممثلين، الكل يروّج لمشروع واحد في اتجاه واحد، وفي غياب تام لأي صوت آخر.

أما شعب 25 يناير فهو الشعب الفاعل، الشعب الذي يهتف بنفسه قائلاً إنه “يريد” كذا، الشعب الذي سبق الجميع، سبق جيشه وكل نخبه السياسية وحتى توقعات عالمه أجمع، وساعد على ذلك أن عهد احتكار الصوت قد انتهى إلى الأبد، فقد منحت التكنولوجيا من إنترنت وقنوات فضائية وهواتف محمولة أفقا واسعًا لغاية في توصيل المعلومات خارج إعلام السلطة الرسمي، وفي تنظيم التحركات المعارضة.

وفي كلتا الحالتين كان الشعب هو ذلك المسكين المتعب، الذي أرهقه نهب الإقطاعيين في الأولى، وفساد رجال الأعمال المحتكرين في الثانية، والذي غضب للإهانة الوطنية التي تعرض لها بلده بهزيمة حرب فلسطين في الأولى، أو بانبطاح سياسة مبارك لأمريكا وإسرائيل في الثانية.

بين أعداء شعب 23 يوليو وأعداء شعب 25 يناير
لم يختلف أعداء الثورتين في جوهرهم وإن اختلفوا في صورتهم، فحلّ رجال الأعمال الذين جمعتهم شبكات مصالح هائلة مع رجال النظام القديم ومع القوى الدولية بممثليها من الشركات متعددة الجنسيات محل الإقطاعيين القدماء بما جمعهم أيضًا من مصالح مع رجال الملك ومع القوى الاستعمارية، هذه القوى التي بدلت شكل احتلالها من الاحتلال العسكري المباشر في الماضي إلى الاحتلال الاقتصادي والسياسي المستتر في هذا العصر.

بين عالم 23 يوليو وعالم 25 يناير
كان عالم ثورة يوليو عاملا مساعدًا لها، فهو العالم متعدد الأقطاب الذي يمكن استغلال تناقضاته لإيجاد حيز من الاستقلال وحرية الحركة لدى الدول النامية، وهكذا كان بإمكان عبد الناصر القيام بمناورات كلجوئه إلى الاتحاد السوفيتي لتمويل مشروع السد العالي بعد رفض البنك الدولي أو كعقده صفقة الأسلحة الشرقية بعد رفض الغرب بيعه له.

بينما عالم ثورة يناير هو عالم أمريكا القطب الواحد، عالم الهيمنة الغربية الكاملة، رغم محاولات الصين وروسيا إيجاد شروخ في هذا الصرح فما زال من الصعب الفكاك منه.

بين قيادة 23 يوليو وقيادة 25 يناير
ربما كان هذا هو سبب الاختلاف الأبرز بين مساريّ الثورتين، فثورة يوليو وصل قادتها إلى الحكم فورًا ليكونوا في موضع مسئولية تنفيذ شعاراتهم، وهكذا كان قادة الثورة هم أنفسهم حكام البلد وهم أيضًا رموزها.

أما ثورة يناير فكانت بلا قائد محدد، لعب السلوك الجمعي للشعب كله هذا الدور، ولكن رغم كون هذا وضعًا ممتازًا للعمل الميداني فلا أحد يملك إعطاء الأمر بفض الميدان وإنهاء الثورة، فقد كان وضعًا سيئًا للعمل السياسي، ففي غياب قادة للثورة تسلم الحكم جزء من النظام القديم، هو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ومن بعده عبر الانتخابات تسلمه جزء من المعارضة القديمة، بينما على صعيد آخر تمكنت الثورة من إفراز رموزها الخاصة المستقلة تمامًا عن هذه المنظومة، وهكذا فرضت الثورة على الفضاء العام أسماء كوائل غنيم ومينا دانيال والشيخ عماد عفت وأحمد حرارة … إلخ.

بين ثورية 23 يوليو وإصلاح 25 يناير
كانت ثورة يوليو -رغم أن إطلاق هذا الاسم عليها أتى متأخرًا، وكانت تعرف باسم “حركة الضباط” أو “الحركة المباركة”- ثورة حقيقية على كل الأصعدة أدت إلى قطيعة كاملة مع ما قبلها، تم تغيير الطبقة السياسية الحاكمة تمامًا بكل مكوناتها من ملك وأحزاب موالية وأحزاب معارضة، تم تغيير السياسات الاقتصادية لتصبح منحازة إلى العمال والفلاحين والطبقة الوسطى، وتم سحق الإقطاعيين بأشد الوسائل جذرية، ثم تغيير السياسات الخارجية لتتحول مصر المحتلة إلى دولة القطب الحاضنة لحركات التحرر الإفريقية والعربية.

بينما تبدو ثورة 23 يناير حتى الآن إصلاحية بامتياز، لم يتغير واقعيًا إلا أقل القليل، وما زالت مكونات النظام القديم لم تراوح مكانها إلا بنظام الكراسي الموسيقية، المعارضة القديمة الإخوانية والمدنية تأخذ مجالا أكبر قليلا، “القلب الصلب” للدولة أي الجيش تتراجع مكانته قليلا، وبالمثل رجال الأعمال مع احتفاظهم بمميزاتهم الهائلة، مصر الخارجية ما زالت حليفة أمريكا وإسرائيل والخليج وعدوة إيران، ما زال الشباب يتظاهرون للإفراج عن رفاقهم المعتقلين، وما زال العمال الفقراء يعتصمون من أجل حقوقهم.

ما زال الطريق طويلا.

 

اعلان