Dp أفلام الحافظة الزرقاء.. الشعر
الرئيسية > كلام في الفن > سينما > أفلام الحافظة الزرقاء.. الشعر

أفلام الحافظة الزرقاء.. الشعر

في عام 1979 قرّر المخرج الكبير تشيكي الأصل ميلوس فورمان أن يقدّم لنا الفيلم الجميل "الشعر"


ميلوس فورمان قدّم أفلاما من وزن

كان إنتاج فيلم الشعر مخاطرة منذ البداية؛ فالناس نسيت عرض برودواي، والأغاني قد اندثرت، كما أن الممثلين غير معروفين تقريبا.. بدا للشركة المنتجة أن ما يقوم به فورمان محاولة انتحارية.

لكنه حوّل كل شيء إلى عالم من السحر والجمال، وكما قال الناقد رءوف توفيق الذي رأى الفيلم في كان:” تخرج من السينما شاعرا كأنك شخص آخر أخف وزنا بعد ما اغتسلت من همومك.. وعرفت كل هذه القوة في الحياة وفي نفسك”.

هذا ليس فيلما بالضبط بل هو تجربة تمر بها على مقعد السينما.

يصف رءوف توفيق المخرج في المؤتمر الصحفي بأنه كان واثقا من نفسه بلا غرور.. له طابع ساخر ويختار كلماته بأناقة؛ قال فورمان: “أنا لا أقصد حرب فيتنام بالذات.. بل أي حرب يرسلون لها شبابا يحبون الحياة ليعودوا في صناديق”، وقال إنه اختار الشباب العاملين في الفيلم على أساس أن يكون شكلهم مقبولا وصوتهم صالحا للغناء، وأن يكونوا أناسا طيبين..! ضحك الجمهور لكنه استطرد بجدية أن كل الممثلين الكبار رفضوا العمل في هذا الفيلم، لدرجة أنه جعل صديق عمره المخرج نيكولاس راي يلعب دور الجنرال.

الشباب الذين قاموا ببطولة الفيلم منهم تريت ويليامز وجون سافيدج وبيفرلي دانجلو.. صمّم الرقصات تويلا ثارب.

الشاب الريفي كلود يتجه إلى نيويورك ليلتحق بالتجنيد، ويودّع أباه المسن على المحطة ثم يركب الحافلة. في ذات اللحظة نرى مجموعة من الهيبز في نفق يقومون بحرق منشور حكومي..


وهنا تبدأ تترات الفيلم مع أغنية “برج الدلو”


حيّرت كلمات الأغنية د. لويس عوض عندما سمعها، ثم عرف بعد بحث مدقق أنها تشبه وصف الجنة في شعر شيلي أو الإكلوج الرابع لفيرجيل.. المريخ كوكب الحرب الأحمر حيث يعيش مارس إله الحرب.. في برج الدلو يغطي المشترى “جوبيتر” على المريخ فيحجب نوره الأحمر، عندها يعم السلام الأرض ويهدي السلام الكواكب.. هذا هو إلهام الصوفية البلوري كما تصفه الأغنية.

يصل كلود إلى نيويورك هنا يحدث له شيئان: يقع في حب فتاة ثرية هي شيلا، ويتعرّف على مجموعة من شباب الهيبيز الذين يقودهم شاب مرح صاخب يُدعَى “بيرجر”.. يحاولون إقناعه بالحياة معهم والتخلي عن التجنيد، لكنه يصرّ على الذهاب.

شاهد هذه الأغنية التي ينشدها بيرجر


تسلّل شباب الهيبيز إلى حفل أرستقراطي فاخر جدا؛ حيث يحاول كلود الريفي الخجول أن يكلم حبيبته شيلا. هنا ينهض بيرجر الصاخب الذي لا يتحرج عن شيء ليطلب ذلك علنا. تقول له أم شيلا في ذهول: “أنت تملك أعصابا قوية أيها الشاب!”.

فيرد عليها بهذه الأغنية المليئة بالحيوية.. إنه يملك أعصابا لكنه كذلك يملك الحياة والضحكات وأوقاتا عصيبة وألم أسنان مثل أي واحد فيهم.. إنه يملك الحياة ذاتها ولم تأخذها منه طلقة رصاص أو لغم في فيتنام.. إنه يملك أحشاءه وهو تعبير مزدوج يعني كذلك أنه شجاع.

ثم ينهض ليرقص وينسف المأدبة نسفا أثناء غنائه ويتعلق بالثريا، وينتهي المشهد الرائع بقدوم البوليس للقبض على المجموعة كلها.

شاهد هذا المشهد المليء بالحيوية هنا


وفي السجن يحاولون حلق شعر شباب الهيبز، لكنهم يقاومون ويشرحون فكرتهم من إطالة الشعر في تلك الأغنية التي أعطت الفيلم اسمه.

 

بعد الخروج، يندمج الفتى كلود مع الهيبز  أكثر كما أن علاقته بالفتاة الثرية تتوطد.. وهو يفهم المزيد عن عالمهم لكنه أمريكي صميم يرفض أن يتورط فيه إلا على الحافة؛ مثلا يجرب عقار إل إس دي، ويدخل عالم الهلوسة المعروف.

 

من ضمن أغاني الفيلم أغنية تلخص الموقف:

LHO = GFK = FBI + CIA + LBJ = LSD

ومعناها باختصار أن لي هارفي أوزوالد قتل جون كنيدي.. النتيجة هي مجيء لندون بي جونسون.. مع الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيق الفيدرالي.. لا مفر لدى الهيبز سوى إل إس دي.

يصرّ كلود ذو العنق الأحمر -أي إنه فلاح متصلب الرأي- على الذهاب للجيش، معتقدا أن هذا واجبه الوطني، وبالفعل يذهب للكشف الطبي ويفحصونه في مشاهد ساخرة فعلا، ثم يكتشف أن الجحيم بدأت وأنه وضع رأسه بين فكي الشيطان.

 

سوف يذهب إلى فيتنام طبعا..

قبل ترحيله إلى فيتنام يقرّر الهيبز أن يلعبوا لعبة أخيرة هي أن يتسلل “بيرجر” للمعسكر بدلا من كلود؛ ليعطيه فرصة ساعات يقابل فيها حبيبته ويودّعها. طبعا بمجرد أن يتم التبديل ويغادر كلود المعسكر، يتم ترحيل المجندين إلى فيتنام بمن فيهم الشاب الهيبي الصاخب “بيرجر”؛ أي إنه قدّم خدمة لصاحبه مدتها ساعة واحدة.. وفي هذه الساعة تم الترحيل إلى فيتنام.. إن بيرجر في مأزق لا يعرف حتى كيف يضع الخوذة أو يمسك بالبندقية.. ونراه في مسيرة تشبه الجنازة ذاهبا إلى الطائرة العملاقة التي تنتظره ليغيب في ظلامها، وهو يردد: مانشستر إنجلترا.. كلود الذي هو أنا.. الذي هو أنا!

لا نرى تفاصيل أخرى.. فقط نعرف في النهاية أنه مات هناك وعادت جثته في صندوق، وتدوي أغنية الفيلم الأليمة “دعوا الشمس تدخل” يكررونها مرارا لا تتوقف، بينما التظاهرات الغاضبة تحاصر البيت الأبيض.

بالتأكيد سوف تشعر بقشعريرة وأنت ترى هذه المشاهد


هذا فيلم يصعب نسيانه فعلا، ولو كنت تعشق الأفلام الغنائية الأجنبية فلا تفوّته..

كان هذا فيلما آخر من أفلام الحافظة الزرقاء..

 

اعلان