Dp فنّ إدارة الخلافات الزوجية
الرئيسية > استشارات > لا عيب ولا حرام > فنّ إدارة الخلافات الزوجية
أرسل استشارتك

فنّ إدارة الخلافات الزوجية

كلٌ منا لا يطيق الآخر وكل منا مصرّ على موقفه هل هذه العلاقة كاملة؟!


قد يتجاهل أحد الزوجين ما بينهما من خلاف.. ظنا منهما أنها لا تستحق الاهتمام

القاعدة الوجدانية
وقد يتورّط الزوجان أو من يُصلح بينهما في اعتبار أن المشكلة تكمن في الخلافات العائلية أو المادية أو الفكرية أو العقائدية أو الثقافية أو في اختلاف الآراء والتوجهات, وينسون أن العلاقة الزوجية هي علاقة وجدانية في أغلبها, وأن التوافق والتصالح يرتكزان أساسا على قاعدة من الحب إذا غابت كان من الصعب تعويضها, وأصبحنا نتوه في تفاصيل خلافات لا حد لها, وكلما حسمنا خلافا ظهر خلاف آخر بلا نهاية. فوجود علاقة حب بين الزوجين كفيل بإذابة الكثير من الخلافات والعيوب, بل إن المحب قد لا يرى عيوب محبوبه, وإذا رآها فإنه يصغرها أو يبررها أو يدافع عنها وربما أحبها بحبه لصاحبها. أما إذا غابت تلك القاعدة الوجدانية فإن كل كلمة تثير خلافا, وكل موقف يفجر شجارا, وكل عيب يبدو متضخما, وكل مشكلة تبدو معقّدة وبلا حلّ, وهذا مصداق للمثل الشعبي: “حبيبك يبلع لك الزلط, وعدوك يتمنى لك الغلط”.

وهناك اعتقاد خاطئ لدى كثير من الناس وهو أن الزوجين يجب أن يكونا متشابهين, وحبذا لو كانا متماثلين أو متطابقين, وإذا لم يكونا كذلك في البداية فعليهما أن يسعيا أو يسعى أحدهما لتحقيق ذلك, وإذا لم ينجحا في ذلك فإن النتيجة هي الجدال أو الشقاق أو الصراع ليؤدي ذلك في النهاية إلى الطلاق. والحقيقة أن العلاقة بين الزوجين ليست علاقة تشابه وتطابق بقدر ما هي علاقة توافق وتكامل, فقد يكونا مختلفين ولكنهما متكاملين, وأقرب مثال لذلك هو علاقة موج البحر بالشاطئ, فالموج قد يكون في بعض الأحيان صاخبا هادرا, ولكنه يصل إلى الشاطئ فيهدأ ويرق ويستريح, فكلاهما يزيد الآخر قوة وجمالا على الرغم من اختلافهما. واقتصار حبنا على من يشبهنا هو نوع من الحب النرجسي أي أننا هنا نحب أنفسنا حبا هائلا ولا نحب إلا كل ما هو شبيه لنا، على اعتبار أننا النموذج المثالي في الجمال والكمال, أما النوع الآخر من الحب وهو “الحب الغيري” فيعني أننا نحب الآخر بصفاته التي ربما تختلف عن صفاتنا، ومع هذا يحدث بيننا وبينه نوع من التكامل والتناغم يثري وجودنا ويثري الحياة.

تجاهل الخلاف
وقد يتجاهل الزوجان أو أحدهما ما بينهما من اختلافات أو خلافات ظنا منهما أنها لا تستحق الاهتمام، أو يأسا من الوصول إلى أي درجة من الاتفاق، خاصة إذا كان أحد الطرفين يصرّ دائما أنه على حق, وأن الحوار هدفه إثبات ذلك للطرف الآخر. وتجاهل الاختلاف تهوينا أو يأسا يؤدي إلى تراكمات سلبية على المستوى الفكري والوجداني، تؤدي إلى تسميم العلاقة الزوجية وتوسيع الفجوة يوما بعد يوم, وقد يصل الأمر بعد فترة إلى حالة اللارجعة. وقد يحاول الأهل أو الأصدقاء التقليل من أهمية الخلافات، خاصة حين يتوسّطون للصلح بين الزوجين, وقد يكتفون بحلول الترضية السطحية لأحد الطرفين أو كليهما (كأن يقبّل كل منهما رأس الآخر), وكأنهم هنا يضعون المرهم على الجرح الغائر المتقيح أو على السرطان، فيحدث نوع من الراحة المؤقتة يعقبها تفجّر أخطر للخلافات مع عواقب أكثر سوءا. وقد يكون التجاهل تفاديا للطلاق المؤكد، حيث يعلم الطرفان أو أحدهما أن فتح ملفات الخلافات بينهما سيؤدي حتما إلى مواجهة حادة لا تنتهي إلا بالطلاق.

متى يكون الحوار حلا؟!
وبما أن الاختلافات حتمية بين البشر في كل مراحل حياتهم وفي كل مستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية, إذن لا بد من وجود آليات مناسبة للحل تعمل طول الوقت، خاصة إذا تحوّلت الاختلافات إلى خلافات (أي أصبحت تسبب مشكلة), ولنأخذ مثالا لذلك أننا نلبس ملابسنا في البداية نظيفة, ومع الحركة والعمل والاحتكاك يصيبها التلوث والبقع, ونحن هنا لا نتخلص منها لهذا السبب، ولكن نضعها في الغسّالة فتعيد إليها نظافتها ثم نمر عليها بالمكواة فنعيد لها رونقها وجمالها, وهكذا الحياة الزوجية تحتاج لآليات تنظيف وتنسيق وتجميل لكي تظل براقة طازجة متألقة.

 

وحين تسأل أحدا عن هذه الآليات تسمع مباشرة كلمة “الحوار”, تلك الكلمة التي لاكتها الألسنة حتى فقدت معناها, وأصبح الشباب يستخدمها للدلالة على السخرية والخداع فيقول لك: “فلان بيحوّر عليّ”.. أو يصف شخصا بأنه “محوّراتي”.. أو يقول لك محتجا ومتعجلا: “إحنا مش هنخلص من الحوار ده بقى”.

إذن فالحوار ليس حلا سحريا طول الوقت لمشاكلنا، بل قد يكون هو نفسه أحد مشاكلنا, إذ ليس كل حوار إيجابيا بالضرورة, وهذا يستدعي منا مراجعة مسألة الحوار وأثره في الحياة الزوجية بشكل خاص.

فالحوار في اللغة بمعنى المحاورة أي المجاوبة, والتحاور هو التجاوب (الرازي 666 هـ). وفي معناه الاصطلاحي هو تفاعل لفظي أو غير لفظي بين اثنين أو أكثر من البشر بهدف التواصل الإنساني وتبادل الأفكار والخبرات وتكاملها. وهو نشاط حياتي نستخدمه في كل وقت, وقد يكون إيجابيا فتصلح به حياتنا، وقد يكون سلبيا فنشقى به أيما شقاء, فقد نتحدث مع بعضنا كثيرا ونتحدث في كل شيء وعن كل شيء، ولكننا نتألّم ونشقى مع هذا الحوار وتتدهور حياتنا به؛ نظرا لقيامه على أساس أعوج. وهذا يستدعي منا أن نراجع أهداف الحوار ومرجعية الحوار ومستويات الحوار وبعض ألوان الحوار السلبي في حياتنا الزوجية لكي نعرج في النهاية إلى خصائص الحوار الإيجابي.

والى هنا تنتهي حلقتنا على أمل أن ألقاكم في الحلقة القادمة لنتعرف معا ما هي أنواع الحوار السلبي وما يتسم به الحوار الإيجابي من خصائص وما هي أهداف الحوار ومستوياته.


عن موقع أون إسلام

 



اعلان