Dp د. أحمد خالد توفيق يكتب.. زوزانكا (3)
الرئيسية > ثقافة > ثقافة وأدب > د. أحمد خالد توفيق يكتب.. زوزانكا (3)

د. أحمد خالد توفيق يكتب.. زوزانكا (3)

ظل سكان لاتفيا يمثّلون حالة وحدهم بالنسبة لأوروبا كلها. كانت أوروبا كلها تنبذ الوثنية وتعتنق المسيحية.. راحت حصون الوثنية تنهار أمام زحف الصليب


كان هناك دم على وجه

كان “جاتيس” نائما يغط، وكان الطقس خانقا..
شعرت بأنها عاجزة عن النوم.. نهضت واتجهت إلى خارج البيت واستندت على الشرفة التي تطل على الشارع حيث يجلس “هيلموتس بولوديس” وقت الغروب. الآن تجد أن الظلام دامس وهي لا ترى شيئا تقريبا. بدأ الفجر يقترب وتلوّن الأفق الشرقي بلون أزرق كأنه حبر سكبه أحدهم في إناء ماء. بدأ اللون يتزايد وسمعت أكثر من ديك يصيح من بعيد. شعرت بقشعريرة.. يجب أن تعود الآن..

هنا رأت شبحين قادمين من بعيد.. أدركت على الفور أنهما “أرتور” و”ألكسيس”. يمشيان ببطء شديد فما السبب؟ أمعنت النظر فأدركت أنهما يحملان شيئا ثقيلا. هرعت إلى داخل البيت وتوارت أسفل السلم لتراقب. من هنا كانت تَرى ولا تُرى.. سمعت أنفاس ولهاث الرجلين وهما يحملان هذا الشيء. دققت النظر أكثر فرأت أنه شيء ضخم أقرب إلى جسد. لا تستطيع التدقيق في الضوء الشاحب..
ـ تعال يا “ألكسي”.. ساعدني.

يتقدمان نحو باب القبو الخشبي.. يفتحانه ثم يدلفان إلى الداخل. بعد قليل رأتهما يغادران المكان. هل هذا دم على وجه “أرتور”؟ نعم هو كذلك.. وهو ليس دمه..
إنهما يرحلان.. يقصدان غرفتهما في مؤخرة الدار..

عندما عادت إلى زوجها النائم كان رأسها يعج بالأسئلة. هناك سر يحيط بهذه الأسرة.. والمصيبة أنها صارت جزءا منها.. هل يحق لها أن تعرف؟ قال لها القس يوم زواجها: “لا تتدخلي في شيء.. لا تتدخلي فيما لا يعنيكِ؛ الزوجة الفضولية مكروهة في كل الأوساط الاجتماعية. وأنت ستقيمين معهم في دارهم”. لم تدرِ كم أن هذا الكلام دقيق إلا اليوم.

وهكذا اتخذت قرارها.. سوف تدخل القبو.. يجب أن تعرف..
لا تفعلي يا “زوزانكا”.. أرجوك لا تتصرفي كالضحية الغبية في أفلام الرعب.. الضحية التي تتوغل في الغابة وحدها ليلا، أو تفتح تابوت مصاص الدماء بعد الغروب، أو تفتح الباب للمذءوب الذي يدق الباب..

لكن القبو كان يطاردها في كل وقت.. يزور منامها.. يملأ أحلامها..
ذات مرة سألت جاتيس عما يوجد هناك، فقال متظاهرا باللامبالاة:
ـ قبو.. ماذا يوجد في قبو سوى رطوبة وعفن وفئران!
ـ وبراميل خمر؟
ـ نعم.. براميل خمر.

حتى الفئران غير موجودة.. يبدو هذا غريبا؛ كانت تعتقد أن القبو يعج بالفئران، وهذا شيء بديهي، ثم فطنت إلى أنه لا توجد فئران في البيت.. الفئران مخيفة لكن عدم وجودها مخيف أكثر..
جاتيس غيّر الموضوع وأغلقه بألف مفتاح. لم يعد الكلام واردا..

 

**********


جاءت الفرصة بسرعة غير متوقعة..
لقد جاء صبي مذعورا إلى البيت يخبر الأسرة أن ناتاليا قد سقطت قرب النهر وكسرت ساقها.

دبّت الفوضى واندفع “أرتور” و”ألكسيس” وراء الصبي نحو بيت الطبيب. هرعت الأم مع زوجها الذي لا يغادر الدار أبدا.. لم يكن “جاتيس” في البيت وقتها. الجميع انطلق ليطمئن على الفتاة..

هكذا أدركت “زوزانكا” الحقيقة المروّعة الرائعة. هي في البيت وحدها.. يمكنها أن تتسلل إلى القبو.
لكن كيف تفتح الباب الخشبي اللعين؟

 

                                                                                                                        يُتبع

الحلقات السابقة:
د. أحمد خالد توفيق يكتب.. زوزانكا (1)
د. أحمد خالد توفيق يكتب.. زوزانكا (2)
اعلان